عن رحيل الرؤساء ـ د. نصار عبدالله
د. نصار عبدالله : بتاريخ 10 - 10 - 2007
الدموع التى ذرفت يوم رحيل عبدالناصر تكفى لملء بحيرة
والدموع التى ذرفت يوم رحيل السادات تكفى بالكاد لملء كأس
أما الدموع التى سوف تذرف على من جاءوا أوعلى من سوف يجيئون بعدهما
فلا تزال حتى الآن فى علم الغيب، والله وحده هو
الذى يعلم كم ستكون
فى جنازة عبدالناصر خرج الملايين يرددون : "يا جمال ياحبيب الملايين"
أما فى جنازة السادات فقد خرج العشرات ( ربما المئات ) فى موكب رسمى وهم لا يرددون شيئا على الإطلاق
ربما لأن مفاجأة الإغتيال كانت لا تزال تعقد ألسنتهم ، وربما لأن نسبة كبيرة من المشيعين كانوا من الخواجات
مايقرب من أسبوع واحد فقط
على وجه التحديد ستة أيام ونصف تفصل بين الذكريين : ذكرى مساء 30 سبتمبر وذكرى صباح 6أكتوبر
ذكرى رحيل الزعيم جمال عبدالناصر ، وذكرى رحيل الرئيس أنور السادات
غير أن هذه الأيام الستة أشد قسوة على قلوب الكثيرين من حرب الأيام الستة
إنها أشد قسوة وأكثر طولا ومرارة لأنها تفصل بين ذكرى عصر بأكمله مضى بأمجاده
وبين عصر آخر هو العصر النقيض بكل المعايير
الكثيرون من أبناء جيلى لم يحبوا عبدالناصر فى حياته
لكنهم أحبوه وعرفوا قدره فقط بعد موته
أنا واحد من هؤلاء الذين عاصروه ولم يحبوه فى حياته قط
لكنهم كلما رأوا ما فعله بنا بعد رحيله ذلك العصر النقيض يزداد حبهم له وتقديرهم لنضاله
يرددون مع نزار قبانى بيت شعره الجميل الذى يقول فيه
"
تضيق قبور الميتين بأهلها ...... وفى كل يوم أنت فى القبر تكبر
... الكثيرون من أبناء الجيل الذى جاء بعدى
لم يروا غير نصف الصورة ولم يسمعوا غير نصف الحكاية
استمعوا إليها من خلال الإعلام الرسمى ومنابره التى استولى عليها أولئك الذين يصفون الأمريكان والصهاينة بأنهم
أصدقاء
وراحوا يصورون السادات بالصورة التى أرادوها له وهى أنه معشوق الشعب المصرى
( لماذا لم يخرج الشعب المصرى لوداعه يوم رحيله إذن ؟)
الكثيرون من أبناء الأجيال التى جاءت بعدنا
سمعوا نصف الحكاية فتصوروا أنها هى كل الحكاية ، سمعوها وصدقوها
بعضهم أحبوا أنور السادات وتصوروا أنه يمكن اختزاله إلى عبارة واحدة هى أنه بطل الحرب والسلام
وربما كان هذا جزءا ما بالفعل من الصورة
لكنه جزء مبتور
فبقية الصورة التى عاصرناها هى
أنه فى أعقاب حرب أكتوبر المجيدة أهدر السادات جزءا كبيرا من أموال الدعم العربى
ولم يستخدمها فى تحقيق تنمية حقيقية تفتح أبواب العمل والرزق للملايين من أبناء هذا الوطن
وتعينهم على التصدى لقوى الهيمنة الأمريكية والصهيونية
هو الذى سن سياسة الإنفتاح السداح المداح على حد تعبير أحمد بهاء الدين
وفتح الباب على مصراعيه للرأسمالية الطفيلية
وهو الذى دفع بالكثيرين من الفاسدين والمفسدين إلى مقدمة الصفوف وأظلهم بدعمه وحمايته
وهو الذى دعم المتملقين والمنافقين وأشباه الرجال
وهو الذى تحالف مع الكثير من القوى الفاشية من أجل تصفية القوى الوطنية المستنيرة ، وهو الذى أعلن بملء الفم أن تسعة وتسعين من أوراق اللعبة فى يد أمريكا، متنازلا بذلك ـ وبالكامل تقريبا ـ عن هامش الإستقلال فى القرار الذى كان يمكن أن تتمتع به مصر
وهو الذى أضاع هيبة القانون عندما جعل منه مجرد عباءة من العباءات الكثيرة التى كان يلبس واحدة منها فى كل مناسبة من المناسبات
وأخيرا وليس آخرا هو الذى خطط أو على الأقل رحب وبارك مجهودات من خططوا لأن يظل الرئيس رئيسا مدى الحياة
حيث تم تعديل المادة 77من الدستور لكى يصبح تولى الرئيس لمنصبه جائزا لمدد أخرى غير محددة
بعد أن كان النص القديم للمادة يقضى بجواز توليه لمدة أخرى فقط
وربما ، ...أقول ربما ـ لأنى لا أملك دليلا على هذا ( ولا يملك غيرى دليلا على العكس )
ربما كان هذا واحدا من الأسباب التى جعلت من تنحيته عن منصبه عن طريق الكلاشينكوف أمرا مطلوبا ومرغوبا فيه من جانب البعض
No comments:
Post a Comment