لا يمكن أنكار أن ثورة يوليو 1952 قامت تحت ضغط سببين رئيسيين
1- ضغط الحاجة الاجتماعية لشعب مغلوب على أمرة سياسيا وأقتصاديا بل وحضاريا
2- وضغط الحاجه للتخلص من نظام أجتماعى وسياسى وحضارى فاسد
لم تكن الثورة تملك ترف تقديم برنامج متكامل يشرح خطوات المستقبل أن نجحت ثورتها
فهى ليست حزبا يتمتع بقيادة ويحتمى بقاعدة ا
ولكنها كانت جيشا أضطر للتدخل لتغيير النظام
واعلن وقوفه مع الفقراء
وبسبب هذا الأعلان المبكر .. أنقسم الشعب على نفسه بخصوص هذة الثورة منذ الدقيقه الأولى لأعلانها
1- فوقف الفقراء (الطبقه المتوسطه والأدنى ) فى صف الثورة
2- وعادت الطبقه العليا المسيطرة على الدوله حزبيا وأقتصاديا هذة الثورة
نعم
لم يكن للثورة نظريه أو منهج عمل تسير عليه فور نجاحها
وفى الواقع
لم يكن مطلوبا منها تقديم هذة النظريه أو هذا المنهج
فهى ثورة لم تكن خاضعه لتيار سياسى أو منهج سياسى معين تلتزم به
فقد كان بين قيادتها ومؤسسيها تيارات فكريه وسياسيه متنوعه ومتباينه
فكان فيها الشيوعى والأخوانجى
الوفدى والدستورى
بل كان فيها ولاد الناس من الطبقه الغنيه وولاد الشعب من الطبقات الفقيرة الغلبانه
كانت ثورة شامله بالفعل
قام بها رجال متعددى الثقافات والميول السياسيه والخلفيه الأجتماعيه
فكان فيها ابن البوسطجى بجوار ابن العمدة بجوار ابن الأقطاعى بجوار ابن الرأسمالى
جمعتهم كلهم رابطه لم يعمل أحد حسابها قط
فقد كانوا يظنون موتها بعدما دفونها حيه
وهى رابطه حب مصر
لذلك صدق جمال عبد الناصر مع نفسه ومع شعبه عندما وصف هذا الأمر يوم 25 نوفمبر 1961 امام لجنه كتابه الميثاق الوطنى
" انا بأقول إنه ماكنش مطلوب مني ابدأ في يوم 23 يوليو اني اطلع يوم 23 يوليو معايا كتاب مطبوع واقول ان هذا الكتاب هو النظرية. مستحيل. لو كنا قعدنا نعمل الكتاب ده قبل 23 يوليو ماكناش عملنا 23 يوليو لأن ماكناش نقدر نعمل العمليتين مع بعض".
وفى هذا ما يثبت أن الثورة كانت عملا عسكريا لرؤيه تطلبت التدخل لوقف الفساد بعيدا عن تقديم منهج الأصلاح .. فقد كان تصورها أن فى أهدافها السته التى أعلنتها الكفايه لتحديد المستقبل .. وعلى ساسه البلاد رسمالطريق لتنفيذة وبلوغه .. لذلك تعمدت الثورة تقديم هذة الأهداف للأحزاب السياسيه التى كانت قائمه فى تلك الأيام .. وتمنت تبنيها .. وكان شرطها الأساسى لأولى خطوات الأصلاح هو تحقيق مشروع الأصلاح الزراعى والذى بموجبه تعود الأراضى الزراعيه التى سرقها محمد على باشا من الشعب وقام بتوزيعها على العائلات التابعه والمواليه له لأصحابها الحقيقيين .... الفلاحين
ولكن كان من المؤسف
1- أن ترفض الأحزاب جميعها أهداف الثورة
2- وأن ترفض وتعتبر مشروع الأصلاح الزراعى نقطه الصدام مع الثورة
فزعماء الأحزاب
كانوا هم المسيطرين على كل الأراضى الزراعيه المصريه مع الحاشيه الملكيه وكان فى قبول قوانين الأصلاح الزراعى أعلانا بأنتهاء سيطرتهم على أراضيهم .... لذلك رفضوا جميعا هذة القوانين ظنا منهم
1- أنهم سيطروا على هذة الثورة خصوصا بعدما سألتهم الثورة المساعدة فى أدارة شئون البلاد وبعد أن عينت رئيسا للوزراء ووصيا على على العرش منهم ... وهو أمر لم تفعله الثورات المسلحه قبل ثورة يوليو 1952
2- وأن هناك خلافا بين الضباط وبين زعيمهم قائد الثورة .. فقد كانوا يعتقدون بأن اللواء محمد نجيب هو قائد الثورة وأستطاعوا أستمالته نحوهم عن طريق أخوة على نجيب خصوصا جماعه الآخوان المسلمين التى وعدته بتحريك الشعب ضد الثورة
هنا
لم تجد الثورة بدا غير تطبيق ما تنادى به من أهداف إلا عن طريقها
مستغله التأييد الشعبى الفطرى لها
ولولاه ما نجحت الثورة أبدا
ولما كانت ثورة 33 يوليو 1952 مجرد رد فعل لمجتمع ما قبل 1952
( مجتمع الفساد والأحتلال الذى كان بأمكان السفير البريطانى أن يهز العرش ويهدد الملك كلما يشاء )
لذا كان من الصعب عليها تقديم أى ملامح لنظام سياسى جديد او حتى موقفها من الديموقراطيه
فالمجتمع البرلمانى الذى كان قائما قبل الثورة
كان مجتمعا ليبراليا بالأسم أو بالشكل
ولكنه لم يقدم ما يثبت هذة الليبراليه أو هذة البرلمانيه
فالأحزاب
1- لم تكن تعبر عن الشعب
2- وكان يسيطر عليها عائلات تتوارث زعامتها أو تفرض مصالحها عليها قصرا
وكان يتحكم فى الشارع السياسى 4 قوى تتصارع بعنف فيما بينها وهى:
1- المندوب السامى البريطانى
2- القصر
3- حزب الوفد
4- جماعه الأخوان المسلمين
ففى الوقت الذى كان ينذر فيه المندوب السامى البريطانى الملك لتغيير وزارة منتخبه وإلا أقاله من عرشه !!
كان الملك والأحزاب وجماعه الأخوان تتصارع فيما بينها مستخدمين أساليب القتل والأرهاب السياسى منهجا لهم
وشهدت مصر موجات من الأغتيالات السياسيه المتبادله جعلت من هذة الحقبه أسوء حقبه سياسيه فى تاريخ مصر كلها
وكان الشعب مغلوبا على أمرة
فبالأمر
كان الفلاحين يجبرون على أنتخاب صاحب الأرض التى يعيشون فيها وإلا طردوا منها
وبالأمر
كان العمال يجبرون على أنتخاب صاحب المصنع او الشركه التى يعملون بها وإلا طردوا منها
وفى الوقت الذى كان يصرف فيه الملك أموال الشعب على موائد القمار فى أوروبا
كان البرلمان يبحث تحت قبته مشروع القرش من أجل الحفاة
(مشروع التبرع بقرش صاغ حتى يلبس الشعب المصرى الحذاء )
نعم
كان الجنيه المصرى أقوى من الجنيه الأسترلينى فى تلك الأيام
ولكن كان تعداد الشعب المصرى أقل من 14 مليون نسمه فى تلك الأيام
أغلبهم حفاة وعمال تراحيل يعيشون على الخبز وفحل البصل
لا سكن دائم لهم
ولا مدارس لأينائهم
ولا رعايه صحيه أو أجتماعيه لهم
حفاة كل الوقت
وجياع طوال الوقت
ومعرضين للطرد فى أى وقت
ومع ذلك
كانت الحياة البرلمانيه تعتمد على أصوات (أختام ) هؤلاء البؤساء فى أنتخاب سيدهم
سيد الأرض
وسيد المصنع
والويل لمن يرفض ذلك
لذلك
كان مفهوم الحريه عند الثورة هو حريه رغيف العيش
فمن يملك قوته اليومى ... سينتخب من يريد بدون خوف من صاحب الحقل او المصنع
وكان مفهوم الديموقراطيه عندهم .. أن للديموقراطيه جناحان بدونهما لن تستطيع التحليق هما
جناح حريه لقمه العيش
وجناح العداله الأجتماعيه
وكلاهما كانا بعيدان عن الشعب الحافى
وبسببهما أستنزفت موارد البلاد أثناء معركه الثورة ضد الفقر وزيادة السكان
تعداد مصر الآن 85 مليون نسمه ( كلهم من المتعلمين وأغلبهم من حاملى شهادة الثانويه العامه )
مقارنه ب 14 مليون نسمه عام 1952 و 45 مليون نسمه يوم وفاة عبد الناصر عام 1970
ولم تزداد الرقعه الزراعيه المصريه طوال تاريخها إلا بمساحه مليون ونصف فدان بسبب السد العالى
لذلك
كان أكبر أهداف الثورة نحو تطبيق الديموقراطيه هو
1- تحرير الشعب من الفقر
2- وتحقيق العداله الأجتماعيه
ووضعت مشروع الأصلاح الزراعى كبدايه لهذا الطريق
وبالطبع
رفضت الأحزاب السياسيه – كلها – مشروع الأصلاح الزراعى
مثلما رفضت تطهير كوادرها وتشكيلاتها من عناصر الفساد المتحكمه فيها
فكان من الطبيعى أن تقابل الثورة أستخفاف الأحزاب بها بقرارت صارمه أدت فى النهايه إلى
1- إسقاط محمد نجيب واعتقاله
2- حل الأحزاب القائمه
3- الأعلان عن هيئه التحرير كمنظومه تجمع طبقات الشعب وتستند عليها الثورة سياسيا
اصبحت الشرعيه الثوريه التى يحميها الفقراء هى الشرعيه الوحيدة التى تحكم البلاد
ويقول جمال عبد الناصر فى وصف هذة الفترة أثناء تقديمه لميثاق العمل الوطني " للمؤتمر الوطني للقوى الشعبية " يوم 21 مايو 1961:
" العشر سنوات اللي فاتت كانت فترة تجربة .. فترة ممارسة .. كانت فترة مشينا فيها بالتجربة والخطأ ".
وقال يوم 7 ابريل 1963 خلال مباحثات الوحدة الثلاثية بين
مصر وسورية والعراق:
".
" بالنسبة لنا ... تجربتنا قابلتنا اسئلة كثيرة بهذا الشكل ... كان لا بد من ان نوضحها ... في اول يوم لم يكن عندنا منهج ولم تكن عندنا نظرية
وقال أثناء ثورة الطلبه فى نوفمبر 1968
بدى أقول حاجه .. حق القلق وعدم الرضا خصوصاً فى الظروف اللى احنا بنمر فيها ظاهرة صحية، تعبير عن الحيوية، ويجب أن نفرق بين عدم الرضا وبين العداء.. يوم يرضى المرء يتخلف، عدم الرضا حافز وقوة محركة. وأعتقد إن شبابنا بيعرفوا فى الجيل اللى هم موجودين فيه يمكن أكتر مما كنا نعرف احنا فى جيلنا
احنا طلعنا وتظاهرنا، وكان الموضوع اللى احنا بنفكر فيه هو خروج الإنجليز،
ويمكن الإنسان بالطبيعة مضاد للسلطة، وأنا يمكن فى تالتة ثانوى ماكنتش طلعت ولا اشتغلت فى العمل السياسى، واشتغلت فى العمل السياسى بالصدفة، وكنت فى إسكندرية وماشى فى ميدان المنشية ولقيت فيه معركة بين الناس والبوليس، وكان ممنوع الاجتماعات، وبشعور غريزى اشتركت مع الناس فقبضوا على وودونى السجن.. سألت الرجل اللى هناك - واحد من اللى موجودين - هى الخناقة كانت على إيه؟ والحكاية إيه؟ فقال لى إن جمعية مصر الفتاة كانت عايزه تعمل اجتماع، والبوليس منع الاجتماع بالقوة وحصل تصادم وباقول لكم الواحد... وطلعت بالضمان من القسم؛ قسم المنشية وبعدين اشتغلت بالسياسة، الواحد بطبيعته يمكن يبص للسلطة بشك.
وأنتم النهارده الوضع بيختلف عن أيامنا، أيامنا كان فيه الإنجليز، وكان فيه حكم المندوب السامى البريطانى، وكان هناك الأحزاب وكان الموضوع كله هو جلاء الإنجليز والاستقلال.
الموضوع يمكن بالنسبة لكم النهارده معقد أكثر والحفاظ على الاستقلال هو الموضوع الأساسى، وحرية الوطن وحرية المواطن، وكيف نحقق الحرية السياسية الحقيقية ودا بيكون بتحقيق الحرية الاجتماعية. وطبعاً عندكم الفرصة النهارده يمكن أكتر من الفرص اللى كانت موجودة عندنا، حركة الشباب فى مناخ صحى تزود الحاضر بروح المستقبل، وترفع مستوى التفكير والتنفيذ سياسياً وإنتاجياً وفكرياً.
الشباب لابد أن يكون له حق التجربة بدون وصاية، الممارسة حتبين لكم كل حاجة.. مين اللى مع قوى الشعب العاملة، مين اللى ضد قوى الشعب العاملة، مين الملتزم اجتماعياً، مين صاحب المصلحة الذاتية، مين بيعمل لبلده، مين بيعمل لنفسه، وأمامكم دور كبير تقوموا به، ومسئولية كبيرة تتحملوها
No comments:
Post a Comment